أصحاب الظل

موضوع: أصحاب الظل الأربعاء أبريل 21, 2010 11:29 pm

أصحاب الظل

أصحاب الظل في الدنيا هم أصحاب المكارم بأخلاقهم وجمال صفاتهم وهم أصحاب ظل في الآخرة لشدة قربهم وعلو درجتهم عند ربهم سبحانه وتعالى.
أصحاب الظل هؤلاء قد ذكرهم النبي صلى الله عليه واله وسلم في حديث صحيح رواه الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه واله وسلم قال: "سبعة يظلهم الله تعالى في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، إمام عادل، وشاب نشأ في عباده الله ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات جمال وحسن، فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه".
يصور الحديث النبوي لنا مشهدا رائعا لهذا الصنف من الناس فيوم القيامة والناس في كرب ومحنه من شده الحر ولهيب الشمس التي تدنو من رؤوس العباد يتفكر الناس وقتها بشفيع أو مخلص لهم، إلا أن هناك في زاوية بعيدة عن هذا الكرب سبعة أصناف من الناس مستريحون في ظل عرش الرحمن، والظل هنا فسره بعض العلماء رضوان الله عليهم بأنه رحمة الله ولطفه، ومنهم من قال: هو ظل حقيقي للعرش، والدليل على ذلك حديث سلمان بن منصور بإسناد حسن: "سبعة يظلهم الله في ظل عرشه"، فتعالوا بنا نبدأ مع الإمام العادل، ذاك الإمام الذي يتولى أمور المسلمين ورعايتهم، وخير نموذج على ذلك رسول الله صلى عليه واله وسلم حين جاء انس بن مالك يتشفع في حد من حدود الله فقال عليه الصلاة والسلام له: أتشفع في حد من حدود الله؟ والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها. هكذا يكون الإمام العادل، لا ينس نفسه عند جلوسه على كرسي الرئاسة أو المناصب التي تغري الإنسان وتجعله يحكم بالظلم والجور والباطل.
وهكذا كان الخلفاء رضي الله عنهم خير نموذج أيضا في هذا الباب.
أما الصنف الثاني الذي ينعم في هذا الظل هو شاب نشأ في عبادة الله تعالى، هذا الشاب رغم كل المغريات والفتن من حوله، إلا انه يصر على طاعة الله تعالى ويحرص كل الحرص على أن يكون في الخيرات والطاعات والقربات، وقد تجسد هذا المثال بصحابي جليل هو مصعب بن عمير رضي الله عنه، ذاك الشاب الغني، من أشراف مكة وأغنيائها، ومن كثرة نعيمه كانت تفوح رائحة عطره في زقاق مكة وطرقاتها، فكان الناس يعرفون انه مر من ذلك المكان فقط برائحة عطره، لكن هذا النعيم لم يدم بعد أن أعلن إسلامه في دار الأرقم بن أبي الأرقم، خصوصا بعد أن عرفت أمه الخنساء بنت مالك صاحبة الجاه والسيادة والمال، فما كان منها إلا أن شكلت وسيلة ضغط على ابنها مصعب، فماذا فعلت؟؟؟ خرجت إلى حر الشمس ولهب الرمال لكي يعود مصعب عن إسلامه، لكن مصعب أحب الإسلام وأحب النبي صلى الله عليه واله وسلم، فكلفه هذا الحب خسران الكثير من نعيم الدنيا، فسحب البساط الأحمر من تحت رجليه، وحرم من النعيم، فأبدله النبي صلى الله عليه واله وسلم بدل ذلك كله بأن يكون أول سفير في الإسلام إلى المدينة المنورة، فكرمه الله تعالى بإسلام زعيم الأنصار سعد بن معاذ رضي الله عنه الذي عاد إلى قومه فاسلموا على يده، وكان الأجر قد وقع لمصعب بن عمير أيضا، كما وشارك في معركة بدر فنال بعدها كرامة أخرى أن كلفه النبي صلى الله عليه واله وسلم حمل اللواء يوم أحد، فلقي الله شهيدا وهو يردد قول الله تعالى (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل).
أما الصنف الثالث فهو صنف مميز يعبر عن صدق دخل القلوب، قال عنه النبي صلى الله عليه واله وسلم: رجل قلبه معلق بالمساجد، وكلمة معلق تدل على معنى عظيم أي أن هذا القلب معلق كالقنديل الذي لا يغادر المسجد، فهذا الرجل إذا خرج من المسجد بقي قلبه مشتاق إليه ومرتبط به ارتباط عظيم، ومثال ذلك إذا أحببنا شخصا وترددنا لبيته كثيرا، فإننا حتما سوف نتعلق به ونتبادل وإياه المحبة والألفة، فكيف إذا تعلقت القلوب ببيت الله تعالى كان حقا على الله أن يكرم صاحب هذا القلب وأن يظله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، نسأل الله تعالى أن يكرمنا بهذه لنكون من الناجين يوم القيامة، وأن نكون من أصحاب الصفات الباقية التي سنتحدث عنها لاحقا إن شاء الله تعالى.